يثير الصدام الدامي الجديد في غزة المخاوف من تقويض الجهود المبذولة من وراء ستار لإعادة الأمور إلى مجاريها بين فتح وحماس، ربما بوساطة مصر التي ترصد مدى العراقيل المنصوبة في وجه احتمالات الوصول إلى نتيجة ما من مؤتمر الخريف المزمع عقده بدعوة أمريكية।
والمفروض أن خيبة الأمل التي بدأت تسود في رام الله على هذا الصعيد تستدعي إعادة النظر في الموقف الرسمي المعلن على الأقل بصدد تجديد الحوار مع حماس، ولكن هل يمكن ذلك في الأجواء التي تصنعها الصدامات الجديدة؟.. وهل يمكن ذلك أصلا على ضوء ما سبق من تحديات مباشرة للوجود الحمساوي في غزة في الفترة الماضية؟.. أسئلة يلقي عليها الأضواء المقال التالي بقلم أسامة نور الدين عن مظاهر تلك التحديات وتداعياتها.
خطة بعد أخرى
فشل المخطط الإسرائيلي- الأمريكي المشترك لإسقاط حكومة حماس عبر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ تولّي الحركة مقاليد الأمور هناك، وتردّدت أحاديث إسرائيلية عن "تسونامي" سوف يضرب المنطقة قريبا، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي المحتمل من العراق -حسبما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت في 31/8/2007- وما قد يترتب على ذلك من تشجيع قوى المقاومة الفلسطينية على توجيه ضربات جديدة لإسرائيل، حسب وثيقة شاركت في إعدادها وزارة الدفاع، شعبة الاستخبارات العسكرية،
قسم التخطيط في الجيش، مجلس الأمن القومي، وزارة الخارجية.
وبدأت تظهر معالم خطة أخرى لإنهاء الوجود الحمساوي، والقضاء على مشروع المقاومة الفلسطينية في القطاع، عبر قطع منافذ التواصل بين الحركة والجماهير الفلسطينية، وتأليب الأخيرة عليها، ودفع حماس للدخول في مواجهات غير محسوبة مع أنصار حركة فتح، بالإضافة إلى زيادة الضغط لإحكام السيطرة عليها وعلى تحركاتها في الداخل والخارج، بقطع جميع أنواع الدعم المادي والمعنوي التي تحصل عليها، سواء من أطراف عربية أو إقليمية.
وتبدت الخطة الجديدة من خلال سلسلة إجراءات ضد حركة حماس عن طريق السلطة الفلسطينية من جهة والإدارتين الإسرائيلية والأمريكية من جهة ثانية، كان منها في وقت مبكر قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، بإصدار قانون انتخابي معدل يعزز موقف حركة فتح في مواجهة حركة حماس في حال إجراء أي انتخابات نيابية جديدة، وقانون آخر يقضي بحلّ مائة وثلاث جمعيات ومؤسسات خيرية تابعة لحركة حماس، ودفع أعضاء فتح المتواجدين في القطاع للتظاهر ضد حركة حماس، وإثارة القلاقل المستمرة عن طريق سلسلة تفجيرات تستهدف المقرات الأمنية والمنازل التابعة لأعضاء الحركة في غزة.
وفي نفس السياق لجأت إسرائيل والإدارة الأمريكية إلى إعلان قطاع غزة "كيانا معاديا" لقطع إمدادات المياه والكهرباء، كما قرر أولمرت إطلاق سراح أسرى فلسطينيين غالبيتهم من حركة فتح، وتأكيد الاستعداد لمفاوضات حول قضايا الوضع النهائي: القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات والمياه.
مناوره تكتيكية
ولكن على الرغم من سعي الأطراف الثلاثة لإحكام الحصار على حركة حماس، وخلخلة وجودها في قطاع غزة، فقد لوحظت الأخبار التي تتحدث عن محادثات سرية بين قيادات حركة فتح وقيادات حركة حماس، كخطوة تمهيدية لاستعادة الحوار المفقود بينهما منذ سيطرة حماس على القطاع، وذلك بمباركة الرئيس الفلسطيني أبو مازن -أو قبوله على مضض على الأقل- وهو ما يعد مخالفة مباشرة للتوجهات الأمريكية الخاصة برفض أي شكل من أشكال الحوار مع حركة حماس.
الرئيس أبو مازن ما زال يتشكك في النوايا الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بحل الأزمة الفلسطينية؛ الأمر الذي يحتم عليه أن يجعل الباب مواربا مع حركة حماس، كنوع من الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لإيجاد حلول واقعية لما تعاني منه الأراضي الفلسطينية، حتى لا تتأثر صورته وصورة حركة فتح أمام الشعب الفلسطيني، ويُتهم بالتنازل عن القضية بلا ثمن، ومن ناحية أخرى لإرضاء دول عربية تضغط عليه لاستئناف الحوار مع حماس، وكذلك للحصول على أي مكاسب ممكنة من حركة حماس في حال فشل مؤتمر السلام، وخاصة أنه لا يتوقع أن يحدث أي تقدم على مسار عملية السلام بعد ذلك المؤتمر.
سياق دولي ضاغط
تأتي التحركات الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية الضاغطة على حماس، والساعية لخلخلة وجودها في القطاع، في ظل سياق دولي ضاغط على دول المنطقة الداعمة لها، وعلى رأسها إيران وسوريا، حيث شهدت الفترة الماضية ضغطا أمريكيا مكثفا على إيران، وصل إلى درجة التلويح بشن حرب عسكرية خاطفة على المنشآت النووية الإيرانية، وفق ما أشارت إليه صنداي تليجراف، والتايمز البريطانية، بشأن استعدادات أمريكية لحرب محتملة على إيران.
وعلى الصعيد السوري، اتخذت السياستان الأمريكية والإسرائيلية أكثر من مسار، تصب في اتجاه منع أي دعم تحصل عليه حماس من النظام السوري، وقد تمثل ذلك في الضغط المستمر على النظام السوري تارة، والتلويح بإمكانية إشراكه في مؤتمر الخريف المقبل، إذا ما أعلن عزمه قطع علاقاته بالناشطين الفلسطينيين، تارة أخرى.
وفي لبنان يواجه حزب الله، أشد أعداء إسرائيل في الخارج، ضغوطا داخلية وخارجية مكثفة، قد تؤدي في حال نجاحها إلى إقصائه عن اللعبة السياسية، أو على الأقل إدخاله في صراع داخلي طويل الأمد مع "الأغلبية" اللبنانية التي تصر على اختيار رئيس من قوى 14 آذار/ مارس، من أجل حماية القرار المتعلق بالمحكمة الدولية حول جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
رفض عربي
على عكس الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، تنظر دول عربية وإقليمية عديدة وعلى رأسها السعودية ومصر وإيران إلى ما يجري داخل الأراضي الفلسطينية نظرة واقعية، ترى أن الانقسام بين فتح وحماس ومحاولات الحصار الخانق للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من شأنه أن يضر بالأمنين الفلسطيني والعربي، وخاصة أن الجميع يشكك في جدية الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بعملية السلام، وكذلك في الحكومة الإسرائيلية التي تعتمد أسلوب المناورة في تعاملها مع الدول العربية، وتصر على إفشال كل ما من شأنه أن يحقق السلم والأمن للمنطقة عموما وللفلسطينيين خصوصا.
وفي هذا الصدد طالبت السعودية الرئيس الفلسطيني أبو مازن بضرورة فتح حوار جديد مع حركة حماس، قطعا للطريق على إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تحاولان إثارة فتنة داخلية أكبر بين الفصيلين الكبيرين، عن طريق دفع الرئيس عباس وفتح إلى نقطة اللاعودة فيما يتعلق بإقصاء حماس واستبعاد الحوار معها، والإبقاء على حكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض كشريك مثالي للغرب ولإسرائيل في مفاوضات سلام محتملة.
ممانعة فلسطينية
وعلى الرغم من ذلك فإنه يوجد من الخبراء والمحللين من يؤكد أن سياسة النفس الطويل وغيرها من السياسات التي تتبعها إسرائيل والإدارة الأمريكية مع قطاع غزة ومَن فيه من حركات إسلامية مقاومة وعلى رأسها حركة حماس، والهادفة إلى إحداث تدمير ذاتي للحركة داخليا دون الحاجة إلى اقتحام القطاع، قد لا تحقق نتائجها المرجوة، وذلك للعديد من الأسباب، في مقدمها، وعي الفلسطينيين بالمؤامرات الإسرائيلية التي تحاك ضدهم، مما يدفعهم للالتحام ببعضهم والوقوف صفا واحدا خلف حركات المقاومة وقت الأزمات.
أضف إلى ذلك عدم استعداد دولة الاحتلال لتقديم أي عون للشعب الفلسطيني، ممثلا في الرئيس أبو مازن، وهذا ما بدأ يظهر للعيان مؤخرا، بعد الاختلافات الخاصة "بالإعلان المشترك" بين الطرفين حول قضايا الوضع النهائي، كما أكدت السوابق التاريخية السابقة أن إسرائيل تعتمد المباراة الصفرية في تعاملها مع كل القيادات الفلسطينية، بمعنى أنها تريد أن تأخذ كل شيء بدون مقابل، وهذا ما لن يحدث في الحالة الفلسطينية على الأقل في الوقت الراهن؛ الأمر الذي من شأنه أن يدفع الرئيس الفلسطيني في نهاية الأمر إلى إجراء حوار مع حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، منعا لحالة الفلتان التي قد تشهدها الأراضي الفلسطينية في حالة بقاء الأمور على ما هي عليه.
ومن جانبها لن تسمح حركة حماس بنجاح المخطط الصهيو- أمريكي، دون أن تبذل أقصى جهدها من أجل حماية المقاومة الفلسطينية من القضاء عليها من قبل دولة الاحتلال وبعض الأطراف الخارجية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية التي اشترطت للتعامل مع حماس الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف أعمال المقاومة المسلحة.
كما أن ما يعيشه سكان القطاع الآن لا يختلف كثيرا عن الأوضاع السابقة؛ إذ يعاني سكان القطاع ومنذ فترة طويلة من سوء الأوضاع، وذلك بسبب اعتماده بصورة أساسية في معيشته على المعونات التي يحصل عليها من الخارج، وهذه المعونات -وإن قلّت عن السابق- لا يزال يحصل على جزء منها.
تداعيات مؤلمة
أمّا في حال عدم تمكن الداخل الفلسطيني من التعامل مع هذه التحديات، فمن شأن نجاح المخطط الإقصائي لحماس أن يؤدي إلى تداعيات داخلية وخارجية خطيرة، فعلى الصعيد الداخلي يتوقع أن يؤدي ذلك إلى عدة نتائج:
أولا: حدوث حالة من الفوضى والفلتان الأمني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بصورة قد تعيد للأذهان ما حدث بين فتح وحماس قبيل سيطرة حماس على القطاع، وما أدى إليه ذلك من حدوث اقتتال داخلي راح ضحيته العشرات من الشباب الفلسطيني.
ثانيا: تهيئة الظروف لإسرائيل لإحكام سيطرتها على الأوضاع الفلسطينية الداخلية وتسييرها وفق مشيئتها الخاصة، وبما يتوافق مع مصالحها الداخلية والخارجية؛ إذ من شأن حدوث فوضى فلسطينية داخلية أن تحقق إسرائيل ما عجزت عن تحقيقه طيلة العقدين الماضيين، بل قد تدفع الأمور إسرائيل إلى احتلال الضفة والقطاع مرة ثانية، دون أن تواجه انتقادات ما من قبل المجتمع الدولي، على أساس أن الأطراف الفلسطينية الداخلية عاجزة عن تحقيق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني.
ثالثا: ضرب المقاومة الفلسطينية في مقتل؛ إذ من شأن نجاح إسرائيل والولايات المتحدة في خلخلة الوجود الحمساوي في غزة، أن يساعدها في دفع الرئيس الفلسطيني أبو مازن بقوة أكبر إلى تفكيك الفصائل الفلسطينية، وجمع سلاح المقاومة، والدخول في سلام وهمي مع إسرائيل، دون الحصول على مقابل حقيقي لكل ذلك.
أما على الصعيد الخارجي فسيكون من تداعيات ما قد يحدث في الداخل الفلسطيني:
أولا: زيادة الضغط الأمريكي على دول المنطقة من أجل الرضوخ للإملاءات الأمريكية الخاصة بمشاريعها المهيمنة على المنطقة؛ إذ من شأن إحكام إسرائيل سيطرتها على فلسطين، أن تسلب الدول العربية المجاورة وبالأخص مصر والسعودية أوراق اللعب الخاصة بها في مواجهة المشاريع الأمريكية.
ثانيا: تهديد السلم والأمن العربي والإقليمي والدولي؛ إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في العديد من دول المنطقة والعالم؛ احتجاجا على السياسات الأمريكية والإسرائيلية المتغطرسة والمنحازة ضد مصالح المنطقة.
ثالثا: تمهيد السبيل لتوجيه ضربة خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية، حتى لا تتحول إيران إلى قوة إقليمية كبرى تهدد المصالح الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وما يستتبعه ذلك من إحكام السيطرة على سوريا، وتجريد حزب الله من سلاحه، حتى تبقى إسرائيل في مأمن من جيرانها لأطول فترة ممكنة.
ولذلك يتعين على الأطراف الفلسطينية المختلفة، وكذلك على الدول العربية بالإضافة لإيران وتركيا، العمل على عرقلة المخطط الإسرائيلي والأمريكي، ودفع فتح وحماس وغيرهما من فصائل المقاومة إلى حوار بناء يعيد ما تهدم من علاقات بين الطرفين، ويرفع المصلحة الفلسطينية على ما سواها من مصالح ضيقة، وخاصة أن الجميع يعلم عدم جدية إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بعملية السلام، فضلا عن العواقب الوخيمة على جميع الأطراف الداخلية والعربية والإقليمية.
والمفروض أن خيبة الأمل التي بدأت تسود في رام الله على هذا الصعيد تستدعي إعادة النظر في الموقف الرسمي المعلن على الأقل بصدد تجديد الحوار مع حماس، ولكن هل يمكن ذلك في الأجواء التي تصنعها الصدامات الجديدة؟.. وهل يمكن ذلك أصلا على ضوء ما سبق من تحديات مباشرة للوجود الحمساوي في غزة في الفترة الماضية؟.. أسئلة يلقي عليها الأضواء المقال التالي بقلم أسامة نور الدين عن مظاهر تلك التحديات وتداعياتها.
خطة بعد أخرى
فشل المخطط الإسرائيلي- الأمريكي المشترك لإسقاط حكومة حماس عبر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ تولّي الحركة مقاليد الأمور هناك، وتردّدت أحاديث إسرائيلية عن "تسونامي" سوف يضرب المنطقة قريبا، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي المحتمل من العراق -حسبما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت في 31/8/2007- وما قد يترتب على ذلك من تشجيع قوى المقاومة الفلسطينية على توجيه ضربات جديدة لإسرائيل، حسب وثيقة شاركت في إعدادها وزارة الدفاع، شعبة الاستخبارات العسكرية،
قسم التخطيط في الجيش، مجلس الأمن القومي، وزارة الخارجية.
وبدأت تظهر معالم خطة أخرى لإنهاء الوجود الحمساوي، والقضاء على مشروع المقاومة الفلسطينية في القطاع، عبر قطع منافذ التواصل بين الحركة والجماهير الفلسطينية، وتأليب الأخيرة عليها، ودفع حماس للدخول في مواجهات غير محسوبة مع أنصار حركة فتح، بالإضافة إلى زيادة الضغط لإحكام السيطرة عليها وعلى تحركاتها في الداخل والخارج، بقطع جميع أنواع الدعم المادي والمعنوي التي تحصل عليها، سواء من أطراف عربية أو إقليمية.
وتبدت الخطة الجديدة من خلال سلسلة إجراءات ضد حركة حماس عن طريق السلطة الفلسطينية من جهة والإدارتين الإسرائيلية والأمريكية من جهة ثانية، كان منها في وقت مبكر قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، بإصدار قانون انتخابي معدل يعزز موقف حركة فتح في مواجهة حركة حماس في حال إجراء أي انتخابات نيابية جديدة، وقانون آخر يقضي بحلّ مائة وثلاث جمعيات ومؤسسات خيرية تابعة لحركة حماس، ودفع أعضاء فتح المتواجدين في القطاع للتظاهر ضد حركة حماس، وإثارة القلاقل المستمرة عن طريق سلسلة تفجيرات تستهدف المقرات الأمنية والمنازل التابعة لأعضاء الحركة في غزة.
وفي نفس السياق لجأت إسرائيل والإدارة الأمريكية إلى إعلان قطاع غزة "كيانا معاديا" لقطع إمدادات المياه والكهرباء، كما قرر أولمرت إطلاق سراح أسرى فلسطينيين غالبيتهم من حركة فتح، وتأكيد الاستعداد لمفاوضات حول قضايا الوضع النهائي: القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات والمياه.
مناوره تكتيكية
ولكن على الرغم من سعي الأطراف الثلاثة لإحكام الحصار على حركة حماس، وخلخلة وجودها في قطاع غزة، فقد لوحظت الأخبار التي تتحدث عن محادثات سرية بين قيادات حركة فتح وقيادات حركة حماس، كخطوة تمهيدية لاستعادة الحوار المفقود بينهما منذ سيطرة حماس على القطاع، وذلك بمباركة الرئيس الفلسطيني أبو مازن -أو قبوله على مضض على الأقل- وهو ما يعد مخالفة مباشرة للتوجهات الأمريكية الخاصة برفض أي شكل من أشكال الحوار مع حركة حماس.
الرئيس أبو مازن ما زال يتشكك في النوايا الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بحل الأزمة الفلسطينية؛ الأمر الذي يحتم عليه أن يجعل الباب مواربا مع حركة حماس، كنوع من الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لإيجاد حلول واقعية لما تعاني منه الأراضي الفلسطينية، حتى لا تتأثر صورته وصورة حركة فتح أمام الشعب الفلسطيني، ويُتهم بالتنازل عن القضية بلا ثمن، ومن ناحية أخرى لإرضاء دول عربية تضغط عليه لاستئناف الحوار مع حماس، وكذلك للحصول على أي مكاسب ممكنة من حركة حماس في حال فشل مؤتمر السلام، وخاصة أنه لا يتوقع أن يحدث أي تقدم على مسار عملية السلام بعد ذلك المؤتمر.
سياق دولي ضاغط
تأتي التحركات الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية الضاغطة على حماس، والساعية لخلخلة وجودها في القطاع، في ظل سياق دولي ضاغط على دول المنطقة الداعمة لها، وعلى رأسها إيران وسوريا، حيث شهدت الفترة الماضية ضغطا أمريكيا مكثفا على إيران، وصل إلى درجة التلويح بشن حرب عسكرية خاطفة على المنشآت النووية الإيرانية، وفق ما أشارت إليه صنداي تليجراف، والتايمز البريطانية، بشأن استعدادات أمريكية لحرب محتملة على إيران.
وعلى الصعيد السوري، اتخذت السياستان الأمريكية والإسرائيلية أكثر من مسار، تصب في اتجاه منع أي دعم تحصل عليه حماس من النظام السوري، وقد تمثل ذلك في الضغط المستمر على النظام السوري تارة، والتلويح بإمكانية إشراكه في مؤتمر الخريف المقبل، إذا ما أعلن عزمه قطع علاقاته بالناشطين الفلسطينيين، تارة أخرى.
وفي لبنان يواجه حزب الله، أشد أعداء إسرائيل في الخارج، ضغوطا داخلية وخارجية مكثفة، قد تؤدي في حال نجاحها إلى إقصائه عن اللعبة السياسية، أو على الأقل إدخاله في صراع داخلي طويل الأمد مع "الأغلبية" اللبنانية التي تصر على اختيار رئيس من قوى 14 آذار/ مارس، من أجل حماية القرار المتعلق بالمحكمة الدولية حول جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
رفض عربي
على عكس الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، تنظر دول عربية وإقليمية عديدة وعلى رأسها السعودية ومصر وإيران إلى ما يجري داخل الأراضي الفلسطينية نظرة واقعية، ترى أن الانقسام بين فتح وحماس ومحاولات الحصار الخانق للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من شأنه أن يضر بالأمنين الفلسطيني والعربي، وخاصة أن الجميع يشكك في جدية الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بعملية السلام، وكذلك في الحكومة الإسرائيلية التي تعتمد أسلوب المناورة في تعاملها مع الدول العربية، وتصر على إفشال كل ما من شأنه أن يحقق السلم والأمن للمنطقة عموما وللفلسطينيين خصوصا.
وفي هذا الصدد طالبت السعودية الرئيس الفلسطيني أبو مازن بضرورة فتح حوار جديد مع حركة حماس، قطعا للطريق على إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تحاولان إثارة فتنة داخلية أكبر بين الفصيلين الكبيرين، عن طريق دفع الرئيس عباس وفتح إلى نقطة اللاعودة فيما يتعلق بإقصاء حماس واستبعاد الحوار معها، والإبقاء على حكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض كشريك مثالي للغرب ولإسرائيل في مفاوضات سلام محتملة.
ممانعة فلسطينية
وعلى الرغم من ذلك فإنه يوجد من الخبراء والمحللين من يؤكد أن سياسة النفس الطويل وغيرها من السياسات التي تتبعها إسرائيل والإدارة الأمريكية مع قطاع غزة ومَن فيه من حركات إسلامية مقاومة وعلى رأسها حركة حماس، والهادفة إلى إحداث تدمير ذاتي للحركة داخليا دون الحاجة إلى اقتحام القطاع، قد لا تحقق نتائجها المرجوة، وذلك للعديد من الأسباب، في مقدمها، وعي الفلسطينيين بالمؤامرات الإسرائيلية التي تحاك ضدهم، مما يدفعهم للالتحام ببعضهم والوقوف صفا واحدا خلف حركات المقاومة وقت الأزمات.
أضف إلى ذلك عدم استعداد دولة الاحتلال لتقديم أي عون للشعب الفلسطيني، ممثلا في الرئيس أبو مازن، وهذا ما بدأ يظهر للعيان مؤخرا، بعد الاختلافات الخاصة "بالإعلان المشترك" بين الطرفين حول قضايا الوضع النهائي، كما أكدت السوابق التاريخية السابقة أن إسرائيل تعتمد المباراة الصفرية في تعاملها مع كل القيادات الفلسطينية، بمعنى أنها تريد أن تأخذ كل شيء بدون مقابل، وهذا ما لن يحدث في الحالة الفلسطينية على الأقل في الوقت الراهن؛ الأمر الذي من شأنه أن يدفع الرئيس الفلسطيني في نهاية الأمر إلى إجراء حوار مع حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، منعا لحالة الفلتان التي قد تشهدها الأراضي الفلسطينية في حالة بقاء الأمور على ما هي عليه.
ومن جانبها لن تسمح حركة حماس بنجاح المخطط الصهيو- أمريكي، دون أن تبذل أقصى جهدها من أجل حماية المقاومة الفلسطينية من القضاء عليها من قبل دولة الاحتلال وبعض الأطراف الخارجية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية التي اشترطت للتعامل مع حماس الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف أعمال المقاومة المسلحة.
كما أن ما يعيشه سكان القطاع الآن لا يختلف كثيرا عن الأوضاع السابقة؛ إذ يعاني سكان القطاع ومنذ فترة طويلة من سوء الأوضاع، وذلك بسبب اعتماده بصورة أساسية في معيشته على المعونات التي يحصل عليها من الخارج، وهذه المعونات -وإن قلّت عن السابق- لا يزال يحصل على جزء منها.
تداعيات مؤلمة
أمّا في حال عدم تمكن الداخل الفلسطيني من التعامل مع هذه التحديات، فمن شأن نجاح المخطط الإقصائي لحماس أن يؤدي إلى تداعيات داخلية وخارجية خطيرة، فعلى الصعيد الداخلي يتوقع أن يؤدي ذلك إلى عدة نتائج:
أولا: حدوث حالة من الفوضى والفلتان الأمني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بصورة قد تعيد للأذهان ما حدث بين فتح وحماس قبيل سيطرة حماس على القطاع، وما أدى إليه ذلك من حدوث اقتتال داخلي راح ضحيته العشرات من الشباب الفلسطيني.
ثانيا: تهيئة الظروف لإسرائيل لإحكام سيطرتها على الأوضاع الفلسطينية الداخلية وتسييرها وفق مشيئتها الخاصة، وبما يتوافق مع مصالحها الداخلية والخارجية؛ إذ من شأن حدوث فوضى فلسطينية داخلية أن تحقق إسرائيل ما عجزت عن تحقيقه طيلة العقدين الماضيين، بل قد تدفع الأمور إسرائيل إلى احتلال الضفة والقطاع مرة ثانية، دون أن تواجه انتقادات ما من قبل المجتمع الدولي، على أساس أن الأطراف الفلسطينية الداخلية عاجزة عن تحقيق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني.
ثالثا: ضرب المقاومة الفلسطينية في مقتل؛ إذ من شأن نجاح إسرائيل والولايات المتحدة في خلخلة الوجود الحمساوي في غزة، أن يساعدها في دفع الرئيس الفلسطيني أبو مازن بقوة أكبر إلى تفكيك الفصائل الفلسطينية، وجمع سلاح المقاومة، والدخول في سلام وهمي مع إسرائيل، دون الحصول على مقابل حقيقي لكل ذلك.
أما على الصعيد الخارجي فسيكون من تداعيات ما قد يحدث في الداخل الفلسطيني:
أولا: زيادة الضغط الأمريكي على دول المنطقة من أجل الرضوخ للإملاءات الأمريكية الخاصة بمشاريعها المهيمنة على المنطقة؛ إذ من شأن إحكام إسرائيل سيطرتها على فلسطين، أن تسلب الدول العربية المجاورة وبالأخص مصر والسعودية أوراق اللعب الخاصة بها في مواجهة المشاريع الأمريكية.
ثانيا: تهديد السلم والأمن العربي والإقليمي والدولي؛ إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في العديد من دول المنطقة والعالم؛ احتجاجا على السياسات الأمريكية والإسرائيلية المتغطرسة والمنحازة ضد مصالح المنطقة.
ثالثا: تمهيد السبيل لتوجيه ضربة خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية، حتى لا تتحول إيران إلى قوة إقليمية كبرى تهدد المصالح الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وما يستتبعه ذلك من إحكام السيطرة على سوريا، وتجريد حزب الله من سلاحه، حتى تبقى إسرائيل في مأمن من جيرانها لأطول فترة ممكنة.
ولذلك يتعين على الأطراف الفلسطينية المختلفة، وكذلك على الدول العربية بالإضافة لإيران وتركيا، العمل على عرقلة المخطط الإسرائيلي والأمريكي، ودفع فتح وحماس وغيرهما من فصائل المقاومة إلى حوار بناء يعيد ما تهدم من علاقات بين الطرفين، ويرفع المصلحة الفلسطينية على ما سواها من مصالح ضيقة، وخاصة أن الجميع يعلم عدم جدية إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بعملية السلام، فضلا عن العواقب الوخيمة على جميع الأطراف الداخلية والعربية والإقليمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق