::بواسطة::منزلاوى:: فضل الله- تعالى- على عباده أن جعل لهم مواسمَ للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقرِّبهم إلى ربهم، والسعيد مَن اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمرُّ عليه مرورًا عابرًا.
ومن هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، وهي أيامٌ شهد لها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل أيام الدنيا، وحثَّ على العمل الصالح فيها، وقبل ذلك أقسَم الله- تعالى- بها، وهذا وحده يكفيها شرفًا وفضلاً؛ إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم.
وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويُكثِر من الأعمال الصالحة، وأن يُحسِنَ استقبالَها واغتنامَها، وفي هذه الرسالة بيانٌ لفضل عشر ذي الحجة وفضل العمل فيها, والأعمال المستحبة فيها، نسأل الله- تعالى- أن يرزقنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يُعينَنَا على اغتنامها على الوجه الذي يُرضيه.
فضائل هذه الأيام
* أقسم بها ربنا في كتابه الكريم؛ فقال: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)﴾ (الفجر)، والصحيح الذي عليه جمهور المفسرين أن اللياليَ العشر هي عشر ذي الحجة، وقد أقسم الله بهذه العشر؛ وذلك لفضلها وشرفها.
* أقسم الله- تعالى- بيوم عرفة على وجه الخصوص؛ وذلك في قوله- تعالى-: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)﴾ (البروج)، وفي الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة" (رواه الترمذي).
* أحبُّ الأيام على الإطلاق؛ قال- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (رواه الترمذي، وأصله في البخاري).
* وهذه الأيام هي أعظم أيام السنة؛ فعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أحب إلى الله أن يُتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة, يعدل صيامُ كلِّ يومٍ منها بسنةٍ، وكل ليلةٍ منها بقيام ليلة القدر" (رواه ابن ماجة والترمذي).
* أفضل أيام الدنيا كلها؛ قال- صلى الله عليه وسلم-: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"؛ يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟!. قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفَّر وجهه بالتراب" (رواه البزار، وابن حبان)، والمعنى: إلا مَن استُشهد في المعركة.
* وفيها أعظم الأيام.. يوم النحر، الذي قال فيه النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرِّ" (رواه أبو داود). ويوم القرِّ هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من الطواف والنحر واستراحوا.
* وهي الأيام التي أعطاها الله لموسى- عليه السلام- كي يتم ميقاته أربعين ليلةً؛ قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ (الأعراف: من الآية 142)، وقد ورد هذا عن مجاهد ومسروق.
* قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
* صَدِّق أولا تصدِّق: عن الأوزاعي قال: "بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوةٍ يُصام نهارها ويُحرَس ليلُها إلا أن يُختَصَّ امرؤٌ بشهادةٍ".
ماذا نفعل فيها؟!
1- ارفع نفسك بالصلاة:
ويستحبُّ التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل؛ فإنها من أفضل القُرُبات؛ روى ثوبان قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك إليه بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً"، وهذا عامٌّ في كل وقت، وبالطبع سيزيد الفضل في تلك الأيام المباركة.
2- ابتعد بصيامك:
واجعل صيامك وقايةً لك عن النار؛ فللصوم فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ عميمٌ؛ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا" (رواه مسلم)، وثواب الصائم لا يعلم قدرَه إلا الله تعالى، وفي الحديث: ".. كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به" (رواه البخاري)، وعن حفصة- رضي الله عنها- قالت: "أربعٌ لم يكن يدعهن النبي- صلى الله عليه وسلم-: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة" (رواه أبو داود)، وروي عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهر" (جزء من حديث رواه النسائي وأبو داود)، وكان أكثر السلف يصومون العشر، منهم: عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، ولهذا استحبَّ صومَها كثيرٌ من العلماء؛ قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: إنه مُستحَبٌّ استحبابًا شديدًا.
3- امسح عنك عامين:
قال صلى الله عليه وسلم في فضله: "أفضل الأيام يوم عرفة" (رواه ابن حبان)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "صوم يوم عرفة يكفِّر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" (رواه مسلم)، وقالوا إن المقصود بذلك التكفير تكفير الصغائر دون الكبائر، وتكفير الصغائر مشروط بترك الكبائر، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من يوم عرفة" (رواه مسلم).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة؛ يَنزل الله- تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا, فيباهي بأهلِ الأرض أهلَ السماء, فيقول: انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا ضاحين، جاءوا من كل فجٍّ عميقٍ, يرجون رحمتي ولم يرَوا عذابي، فلم يُرَ أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة" (رواه ابن حبان)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما رُئِي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة؛ وما ذاك إلا لما يرى من تنزُّل الرحمة، وتجاوُز الله عن الذنوب العظام إلا ما رُئِيَ يوم بدر" (رواه مالك في الموطَّأ).
ويقول الإمام النووي: "فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء، وهو معظم الحج ومقصوده, فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسْعَه في الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان، ويدعو منفرِدًا ومع جماعة، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين، وليحذَرْ كلَّ الحذر من التقصير في ذلك كله؛ فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره"، وروي عن أنس بن مالك أنه قال: "كان يقال: يوم عرفة بعشرة آلاف يوم"- يعني في الفضل- وروي عن عطاء قال: "من صام يوم عرفة كان له كأجر ألفي يوم".
4-رطِّب لسانًا:
قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ (الحج: من الآية 28) قال ابن عباس: "أيام العشر"، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله- سبحانه- ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثِروا فيهِنَّ من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه الطبراني)، وروى الترمذي أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، وأنا قد كَبُرتُ، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال: "لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى"، وروى الإمام البخاري- رحمه الله-: كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشرة يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما.
وقد كان يكبِّر في هذه الأيام أيضًا جماعةٌ من السلف، منهم: سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن أبي ليلى، وغيرهم، والأصل أن المؤمن يذكر الله في كل أحواله، لا يفتُرُ عن الذكر في أي حال، وهو يقتفي في ذلك أثرَ القدوة والمعلِّم نبيِّنا محمد- صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان يذكُرُ الله على كل أحواله، ولكن لفضائل هذه الأيام يُفضَّل الزيادة في الذكر والطاعة، فلا يفوتَنَّك الخير فيها؛ حتى لا تندَمَ يوم لا ينفع الندم.
5- اجعلها فجرًا جديدًا لك:
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من لَزِمَ الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب" (رواه أبو داود)، فلتجعل هذه الأيام فجرًا جديدًا في حياتك وسيرك إلى الله- تعالى- في هذه الدنيا، وليكن مع بزوغ فجر أول يوم من هذه الأيام فجرٌ لحياتك، فتِّش في حنايا روحِك عن النقص فيها، وأتمِم كما أتمَّ الله لك هذا الدين، وانظر إلى مواطن نقصك فأتمها, وعجزك فقوِّمها، وحدِّث نفسك أيها المؤمن، وحرِّك معاني الشوق في مكامن روحك؛ فالحياة تأكل منا ما نزرعه في أيامنا ما لم نتدارك ببذرٍ وغرسٍ، ولتكن هذه الأيام فجرَك الجديد.
وكان سعيد بن جبير- رضوان الله عليه- إذا دخل العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه, وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سُرُجَكم لياليَ العشر"- كنايةً عن القراءة والقيام- فالغنيمةَ الغنيمةَ بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة؛ فما منها عِوَضٌ ولا تُقدَّر بقيمة.
أعمال أخرى
وهناك أعمالٌ أخرى يُستحبُّ الإكثار منها في هذه الأيام، بالإضافة إلى ما ذُكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي: قراءة القرآن وتعلُّمه، والاستغفار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، والنفقة على الزوجة والعيال، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج الإخوان، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وعدم إيذاء المسلمين، والرفق بالرعيَّة، وصلة أصدقاء الوالدين، والدعاء للإخوان والأصحاب بظهر الغيب، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهد، والبرّ بالأقارب، وإغاثة الملهوف، وغضّ البصر عن محارم الله، وإسباغ الوضوء، والدعاء بين الأذان والإقامة، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الرواتب، وذكر الله عقب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف، والدلالة على الخير، وسلامة الصدر، وترك الشحناء، وتعليم الأولاد والبنات، والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
ومن هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، وهي أيامٌ شهد لها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل أيام الدنيا، وحثَّ على العمل الصالح فيها، وقبل ذلك أقسَم الله- تعالى- بها، وهذا وحده يكفيها شرفًا وفضلاً؛ إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم.
وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويُكثِر من الأعمال الصالحة، وأن يُحسِنَ استقبالَها واغتنامَها، وفي هذه الرسالة بيانٌ لفضل عشر ذي الحجة وفضل العمل فيها, والأعمال المستحبة فيها، نسأل الله- تعالى- أن يرزقنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يُعينَنَا على اغتنامها على الوجه الذي يُرضيه.
فضائل هذه الأيام
* أقسم بها ربنا في كتابه الكريم؛ فقال: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)﴾ (الفجر)، والصحيح الذي عليه جمهور المفسرين أن اللياليَ العشر هي عشر ذي الحجة، وقد أقسم الله بهذه العشر؛ وذلك لفضلها وشرفها.
* أقسم الله- تعالى- بيوم عرفة على وجه الخصوص؛ وذلك في قوله- تعالى-: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)﴾ (البروج)، وفي الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة" (رواه الترمذي).
* أحبُّ الأيام على الإطلاق؛ قال- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (رواه الترمذي، وأصله في البخاري).
* وهذه الأيام هي أعظم أيام السنة؛ فعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أحب إلى الله أن يُتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة, يعدل صيامُ كلِّ يومٍ منها بسنةٍ، وكل ليلةٍ منها بقيام ليلة القدر" (رواه ابن ماجة والترمذي).
* أفضل أيام الدنيا كلها؛ قال- صلى الله عليه وسلم-: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"؛ يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟!. قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفَّر وجهه بالتراب" (رواه البزار، وابن حبان)، والمعنى: إلا مَن استُشهد في المعركة.
* وفيها أعظم الأيام.. يوم النحر، الذي قال فيه النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرِّ" (رواه أبو داود). ويوم القرِّ هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من الطواف والنحر واستراحوا.
* وهي الأيام التي أعطاها الله لموسى- عليه السلام- كي يتم ميقاته أربعين ليلةً؛ قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ (الأعراف: من الآية 142)، وقد ورد هذا عن مجاهد ومسروق.
* قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
* صَدِّق أولا تصدِّق: عن الأوزاعي قال: "بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوةٍ يُصام نهارها ويُحرَس ليلُها إلا أن يُختَصَّ امرؤٌ بشهادةٍ".
ماذا نفعل فيها؟!
1- ارفع نفسك بالصلاة:
ويستحبُّ التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل؛ فإنها من أفضل القُرُبات؛ روى ثوبان قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك إليه بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً"، وهذا عامٌّ في كل وقت، وبالطبع سيزيد الفضل في تلك الأيام المباركة.
2- ابتعد بصيامك:
واجعل صيامك وقايةً لك عن النار؛ فللصوم فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ عميمٌ؛ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا" (رواه مسلم)، وثواب الصائم لا يعلم قدرَه إلا الله تعالى، وفي الحديث: ".. كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به" (رواه البخاري)، وعن حفصة- رضي الله عنها- قالت: "أربعٌ لم يكن يدعهن النبي- صلى الله عليه وسلم-: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة" (رواه أبو داود)، وروي عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهر" (جزء من حديث رواه النسائي وأبو داود)، وكان أكثر السلف يصومون العشر، منهم: عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، ولهذا استحبَّ صومَها كثيرٌ من العلماء؛ قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: إنه مُستحَبٌّ استحبابًا شديدًا.
3- امسح عنك عامين:
قال صلى الله عليه وسلم في فضله: "أفضل الأيام يوم عرفة" (رواه ابن حبان)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "صوم يوم عرفة يكفِّر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" (رواه مسلم)، وقالوا إن المقصود بذلك التكفير تكفير الصغائر دون الكبائر، وتكفير الصغائر مشروط بترك الكبائر، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من يوم عرفة" (رواه مسلم).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة؛ يَنزل الله- تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا, فيباهي بأهلِ الأرض أهلَ السماء, فيقول: انظروا إلى عبادي شُعثًا غُبرًا ضاحين، جاءوا من كل فجٍّ عميقٍ, يرجون رحمتي ولم يرَوا عذابي، فلم يُرَ أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة" (رواه ابن حبان)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ما رُئِي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة؛ وما ذاك إلا لما يرى من تنزُّل الرحمة، وتجاوُز الله عن الذنوب العظام إلا ما رُئِيَ يوم بدر" (رواه مالك في الموطَّأ).
ويقول الإمام النووي: "فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء، وهو معظم الحج ومقصوده, فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسْعَه في الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان، ويدعو منفرِدًا ومع جماعة، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين، وليحذَرْ كلَّ الحذر من التقصير في ذلك كله؛ فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره"، وروي عن أنس بن مالك أنه قال: "كان يقال: يوم عرفة بعشرة آلاف يوم"- يعني في الفضل- وروي عن عطاء قال: "من صام يوم عرفة كان له كأجر ألفي يوم".
4-رطِّب لسانًا:
قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ (الحج: من الآية 28) قال ابن عباس: "أيام العشر"، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله- سبحانه- ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثِروا فيهِنَّ من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه الطبراني)، وروى الترمذي أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، وأنا قد كَبُرتُ، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال: "لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى"، وروى الإمام البخاري- رحمه الله-: كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشرة يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما.
وقد كان يكبِّر في هذه الأيام أيضًا جماعةٌ من السلف، منهم: سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن أبي ليلى، وغيرهم، والأصل أن المؤمن يذكر الله في كل أحواله، لا يفتُرُ عن الذكر في أي حال، وهو يقتفي في ذلك أثرَ القدوة والمعلِّم نبيِّنا محمد- صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان يذكُرُ الله على كل أحواله، ولكن لفضائل هذه الأيام يُفضَّل الزيادة في الذكر والطاعة، فلا يفوتَنَّك الخير فيها؛ حتى لا تندَمَ يوم لا ينفع الندم.
5- اجعلها فجرًا جديدًا لك:
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من لَزِمَ الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب" (رواه أبو داود)، فلتجعل هذه الأيام فجرًا جديدًا في حياتك وسيرك إلى الله- تعالى- في هذه الدنيا، وليكن مع بزوغ فجر أول يوم من هذه الأيام فجرٌ لحياتك، فتِّش في حنايا روحِك عن النقص فيها، وأتمِم كما أتمَّ الله لك هذا الدين، وانظر إلى مواطن نقصك فأتمها, وعجزك فقوِّمها، وحدِّث نفسك أيها المؤمن، وحرِّك معاني الشوق في مكامن روحك؛ فالحياة تأكل منا ما نزرعه في أيامنا ما لم نتدارك ببذرٍ وغرسٍ، ولتكن هذه الأيام فجرَك الجديد.
وكان سعيد بن جبير- رضوان الله عليه- إذا دخل العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه, وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سُرُجَكم لياليَ العشر"- كنايةً عن القراءة والقيام- فالغنيمةَ الغنيمةَ بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة؛ فما منها عِوَضٌ ولا تُقدَّر بقيمة.
أعمال أخرى
وهناك أعمالٌ أخرى يُستحبُّ الإكثار منها في هذه الأيام، بالإضافة إلى ما ذُكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي: قراءة القرآن وتعلُّمه، والاستغفار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، والنفقة على الزوجة والعيال، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج الإخوان، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم-، وعدم إيذاء المسلمين، والرفق بالرعيَّة، وصلة أصدقاء الوالدين، والدعاء للإخوان والأصحاب بظهر الغيب، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهد، والبرّ بالأقارب، وإغاثة الملهوف، وغضّ البصر عن محارم الله، وإسباغ الوضوء، والدعاء بين الأذان والإقامة، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الرواتب، وذكر الله عقب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف، والدلالة على الخير، وسلامة الصدر، وترك الشحناء، وتعليم الأولاد والبنات، والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق