::بواسطة::منزلاوى::
كان الأول عرضاً رياضياً قام به طلاب الإخوان المسلمين في الجامعة.. ارتدوا فيه أقنعة سوداء على الوجوه، وقدموا فيه عروضاً للعبة "الكاراتيه" في ساحة الجامعة، وأمام كاميرات وسائل الإعلام ضمن اعتصام بدؤوه في المدينة الجامعية، وتواصل داخل أسوار الحرم الجامعي..وكان الثاني وقفة صامتة وقف فيها الطلاب مكممي الأفواه بلاصق أبيض، ومكبلي الأيدي بشريط أبيض يربط أيديهم تعبيراً عن حالة التضييق التي يعيشونها داخل الجامعة - منذ أحداث العام الماضي - والتي كان آخرها هذا العام اعتقال 22 طالباً من زملائهم، وتحويل عدد كبير منهم إلى مجالس تأديبية قبل امتحانات الفصل الدراسي الأول.إذن نحن أمام مشهدين متناقضين.. اختلف فيهما الأسلوب، بل واختلفت فيهما الألوان المستخدمة..الأول أثار فزعاً – وإن كان مصطنعاً – من بعض المتابعين للشأن المصري، وقلقاً طبيعياً لدى البعض الآخر من النخبة المصرية، وفى وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت من هؤلاء الطلاب ميليشيا – مزعومة - تحركها أيدٍ من الخارج، وتتلقى تدريبات عسكرية..والثاني كان رد فعل حضاري.. جذب وسائل الإعلام، ولكن تم تجاهله من النخبة، والكتاب، والمتابعين للشأن العام. كان الأول تعبيراً ساذجاً من طلاب تنقصهم الخبرة، وحرَّكهم غضبهم، وخوفهم من ردود أفعال أمنية قريبة الشبه بما حدث في جامعة عين شمس؛ فأرادوا أن يوصلوا رسالة خاطئة لجهات الأمن: بأننا لن نسمح بدخول "بلطجية" إلى جامعة الأزهر؛ فنحن أشد قوة، وأكثر عدداً، وأقوى شكيمة.كانت الرسالة خاطئة.. وكانت الوسيلة أكثر خطأ..وكان الترصد بهؤلاء الطلاب جاهزاً، والأقلام مسنونة، وعرائض الاتهام معلقة؛ فانطلقت الأقلام، والفضائيات لتتسابق في ذبح هؤلاء الطلاب دون رحمة، ولا شفقة؛ فانتهكت حرماتهم، وألقوا في غياهب السجن شهوراً عدة دونما اعتبار للظروف التي أقاموا فيها عرضهم، ودونما اعتبار لوقت امتحاناتهم، أو ظروفهم الأسرية شديدة البؤس.ورغم أن القضاء المصري قد أنصف هؤلاء الطلاب، وأقر ببراءتهم من التهم التي وجهت إليهم أولاً، ومن حرمانهم من دخول امتحانات الفصل الدراسي ثانياً، إلا أن الإعلام الذي سلخهم بألسنة شداد لم يقترب من معاناتهم، ومعاناة أسرهم، ومن الظروف اللا إنسانية التي عاشوا فيها بعد الأحداث..وجاء التاسع من ديسمبر لعام 2007 ليعبر الطلاب فيه عن اعتراضهم على اعتقال زملاء لهم اقتحمت مساكنهم ليلاً، وتم اعتقالهم دون جريرة..وكان الاعتراض هذه المرة بالصمت، وبكمامات على الأفواه، وبأكبال في الأيدي.. كان التعبير حضارياً، وكان الطلاب فيه هم الأعلى صوتاً رغم صمتهم، والأكثر قوة رغم ضعفهم..قابلوا رفض رئيس جامعتهم للحوار معهم بتكميم الأفواه.. وقابلوا اعتقال زملائهم بتكبيل الأيدي..كانت الوقفة مهيبة، والأسلوب معبراً، واللون الأبيض للأكمة والأكبال رامزاً..كان الصمت، والأكمة، والأكبال، واللون الأبيض رامزين للبراءة الطلابية العفوية، ورامزين لحال الطلاب، ولحال الجامعة..لقد أظهرت الوقفة الحضارية من الجاني، ومن المجني عليه..أظهرت الوقفة الصامتة من هم الميليشيا، ومن هم الطلاب..ورغم حضور الإعلام، وتصويره لهذه الوقفة؛ إلا أن النخبة المصرية صمتت صمتاً مطبقاً.. لا كصمت الطلاب؛ ولكن كصمت الساكت عن الحق، والمشارك فى الجريمة..شارك صمت هذه النخبة فى جريمة اغتيال الحياة الطلابية المصرية، وتحويل الجامعة إلى ثكنة عسكرية يوأد فيه شباب الأمة، وعماد نهضتها، وتغتال فيها الأحلام فى مهدها لشباب غض يحاول أن يشكل مستقبله، وتنتظره الأمة لتخرج من كبوتها.وبدوري أتساءل:ألم تكن هذه الوقفة فرصة يشير إليها هؤلاء النخبة؛ ليتعلم منها الطلاب – في الأزهر وغير الأزهر – أن رقى الوسيلة هو جزء من الحق المراد إظهاره؟!!أليست هذه الوقفة فرصة تستحق الاهتبال ممن يحبون هذا الوطن، ويخشون عليه؛ ليرفعوا راية مناصرة القضايا الطلابية، ولتسليط الضوء عليها؟!!ألا يحتاج الشباب في خضم هذه الحالة التي تعيشها الأمة إلى من يأخذ بأيديهم، ويقول لهم: إن ما فعله زملاؤكم هو الطريق الواجب الإتباع، وأن إيجابيتكم في الدفاع عن قضاياكم ليست بالصوت العالي، ولا بالملابس السوداء، وليست أيضاً بوقف الحركة، والنشاط لاسترداد ما ترونه من حقوق؟!!ترى: هل سيتعلم من يحبون هذا البلد من طلبة الأزهر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق