د/جمال نصار
كل أمة هم سر نهضتها وحامل رايتها، وسواعدها التي تبني وتعمِّر، وهم الذين ينصرون الدعوة في
كلعصر ومصر। ولذلك قال يوسف بن الماجشون: قال لي ابن شهاب الزهري: "لا تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعياه الأمر المُعْضل دعا الأحداث فاستشارهم؛ لحِدَّة عقولهم"
ويجب على ذوي الأمر الاهتمام بهذا الشباب والاستماع إليهم واحتضانهم وتوجيههم، وخصوصًا في عصرنا الحاضر، لعدم إتاحة الفرصة لهذا الشباب لكي يعبر عن رأيه وينقل وجهة نظره، بسبب غياب الحريات العامة، والتضييق عليه بكل الوسائل من المدرسة حتى الجامعة.
ولعل الثورة المعلوماتية أتاحت للشباب فرصة طيبة للتعبير عن رأيه من خلال الإنترنت، وخصوصًا المدونات التي انتشرت بين الشباب المسلم الذي يعي مهمته ودوره لنهضة أمته.
مفاهيم بحاجة للتأكيد
والذي دفعني لكتابة هذه المقالة ما قرأته على بعض المدونات من سجال وانتقادات موجهة لجماعة الإخوان المسلمين من بعض شبابها، وأود في هذا السياق التأكيد على عدة مفاهيم، منها:
- أنه من حق كل واحد منا أن يختلف مع أخيه طالما أن هذا الاختلاف يهدف للوصول إلى الحق، وإثراء القضية موضع النقاش، وهذا الاختلاف له ضوابطه وآدابه، يجب أن نتحراها في حديثنا، فعلينا جميعًا أن نؤمن بحرية الرأي، ولكن لابد لهذا الرأي أن يكون له مقومات أساسية ويُعرض بأسلوب راقٍ ومتحضر، فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، كما يجب أن نرحب بمن ينتقد انتقادًا بناء حتى نرتقي ويرقي بنا مجتمعنا.
وأستحضر في هذا السياق أن الأستاذ عباس السيسي رحمه الله عنّف بعض الشباب في بعض تصرفاتهم، وحينما حكى هذا الموقف لمؤسس الجماعة الإمام حسن البنا قال له: "أنت في مقام الطبيب، فهل يصح أن يتعامل الطبيب مع مرضاه بهذه الطريقة؟!".
- إن من أهم الواجبات أن يدرك الجميع أن أخوة الإسلام ووحدة صفوف المسلمين المخلصين والحفاظ عليها، ونبذ كل ما يسيء إليها، أو يضعف من عراها من أهم الفرائض وأخطرها، وعبادة من أهم العبادات، وقربة من أفضل القربات لأننا بتلك الأخوة نقوى على التصدي لكل العقبات التي تعيق استئناف الحياة الإسلامية على الصورة التي ترضي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن التفريط بالأخوة الإسلامية، أو المساس بها لمجرد اختلاف في الرأي أمر لا يجوز لمسلم أن يفعله، أو أن يسقط في شراكه، ولا سيما في هذه الظروف التي تداعت فيها علينا الأمم.
- الاحترام المتبادل للأشخاص والأفكار، فأهم ما يميز الخلاف العلمي الإسلامي، أنه بحق أرقى ما توصلت إليه العقول البشرية، هذا الخلاف النزيه بين الأفكار لا بين الأشخاص، فالأشخاص المختلفون لهم حرمتهم ومكانتهم وهم بلا ريب من أهل العلم والفضل ولا يجوز تجاهلهم لمجرد خلاف شجر بيننا وبينهم، أو النيل من كرامتهم، فلا خلاف مطلقًا بين أشخاصنا وأشخاصهم، بل بين أفكارنا وأفكارهم، فنحن في نظر أنفسنا رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب ما دام الخلاف في الفروع، وقد عظّم الأئمة الأربعة بعضهم بعضًا في حياتهم وبعد الوفاة، وكانوا القدوة المثلى في هذا الأدب الجم، وإن وجد الخلاف فليس القاعدة ولا الأصل، بل الاستثناء والشذوذ.
- أنه من حق الشباب التعرف على آلية العمل داخل جماعة الإخوان المسلمين، والحيثيات التي بُنيت عليها القرارات داخل الجماعة، وإذا كانت أبواب بعض القيادات الوسيطة لسبب أو لآخر مغلقة؛ فباب فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف، وقيادات الجماعة مفتوحة دائمًا للاستماع لكل الآراء المفيدة والتي تصب في المصلحة العامة للجماعة ولأمتنا الناهضة.
فهدفنا الأساسي هو الإصلاح، أي إصلاح الدنيا بالدين، ولكن من الواضح أن هناك العديد من الشباب لا يعرف الكثير عن دعوة الإخوان المسلمين، أو بالأحرى يعرف عنها صورة سيئة مما وصل إليه عن طريق بعض وسائل الإعلام التي تسيء للإخوان المسلمين.
- أنصح كل من يكتب، وخصوصًا في المدونات أن يطّلع أولا على تاريخ الجماعة وعلى أهدافها، ويتعرف على متطلباتها، ويعرف مدى ما تواجهه الجماعة من ظلم وتحديات لكي تصل إلي هدفها السامي وهو الإصلاح، فنحن أصحاب فكر إصلاحي علمي يسعى للنهضة والتطور في كل مناحي الحياة.
ولقد أجمل الإمام الشهيد حسن البنا كل ذلك بقوله: "إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية .." وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولا لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي .
- وقبل هذا وبعده لا مناص من التزام تقوى الله في السر والعلن وابتغاء رضاه في حالتي الوفاق والخلاف، مع الحرص على فقه دين الله، والتجرد عن الهوى، والبعد عن نزعات الشيطان، ومعرفة سبل إبليس والحذر من شراكه، وحسب الأمة ما لاقت وعانت، وقد آن الأوان لتثوب إلى رشدها، وتستنير بكتاب ربها، وتعض على سنة نبيها – صلى الله عليه وسلم – بالنواجذ، ولعل الله يكتب إنقاذ الأمة على أيدي هذا الجيل من أبنائه البررة، إذا صدقت النية مع الله، واتخذت من السبل ما هو كفيل بقيادة الركب نحو شاطئ الأمان، بعد أن طال ليل التيه والضلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق